يستقبل في اليوم الواحد ما يتراوح بين 3آلاف إلى 4آلاف زائر، لم يدخل معهدا للآثار أو التاريخ أو الأنثروبولوجيا، يحسن ثلاث لغات هي العربية والفرنسية والإنجليزية وقليلا من الأسبانية والألمانية، لا يمل تكرار محاسن ما تراه عيناه منذ أزيد من عشرين سنة، عمر عمله كمرشد سياحي "عصامي" في واحدة من أروع المدن الساحلية الجزائرية وواحدة من أهم الأقطاب السياحية لضفة المتوسط التي تأوي ما أبدعه الخالق من جمال طبيعي تداخلت فيه الخضرة بالبحر في لوحة طبيعية خلابة قل نظيرها .
المحاسن التي لا يمل تكرارها، والزوار الكثيرون الذين يستقبلهم، تحتضنهم "الكهوف العجيبة" التي يشتغل بها خليفة بوعوينة رفقة 3مرشدين سياحيين يتداولون على شرح ما تختزنه المغارة لوفود العائلات الجزائرية والسياح الأجانب الذين لا تكتمل متعة الإصطياف عندهم إذا خلت "أجندتهم" من زيارة المغارات العجيبة الواقعة بأحد منعرجات كورنيش مدينة "زيامة المنصورية" التابعة لولاية جيجل الواقعة على بعد 300كلم شرق الجزائر، وهو الكورنيش الممتد على طول 120كلم من الساحل الرابط بين ولاية بجاية ذات الوجود الأمازيغي وولاية جيجل ذات المناظر الطبيعية الساحرة الخضراء التي تغري قاصديها صيف شتاء .
أول ما يشرحه بوعوينة للسياح الذي يقصدون الكهوف، هو لماذا تسمى بالعجيبة، وهنا يسترسل في رحلة شرح تستغرق بضع دقائق يبدأها بتوجيه أنظار السياح إلى سقف المغارة حيث يتراءى للعيان شكل ضخم لزهرة رملية بنية اللون غاية في الجمال تتوسط، وكأنها ثريا، المسامير الكلسية التي تسمى في لغة التخصص بالصواعد والنوازل، هذه الأخيرة التي تشكل بتواطؤ جميل مع الخيال البشري صورا مدهشة لتماثيل تتنوع ما بين أشكال حيوانية وآدمية وأخرى تحيلك على مواقع أثرية عالمية معروفة إلى غير ذلك من الأشكال التي يلعب فيها الخيال دورا كبيرا في التأويل الذي يمنحه السائح لها .
ويستمتع بوعوينة يوميا بملامح الدهشة الممزوجة بالاستغراب وتبجيل الخالق تعالى التي ترتسم على ملامح وجوه الآلاف من الزوار الذين يقصدون أروقة المغارات العجيبة، وتبدأ دهشتهم بموقع المغارة نفسها التي تغازل البحر وتلتحف الغابة وتتربع فوق أحد جبالها المطل على واد نقي متدفق يّحول موقع المغارة إلى قطعة حقيقة من السحر والجمال . ولا يكترث بوعوينة لغضب الزوار حين يتضايقون من تعليماته الصارمة بدءا بمنع التقاط الصور سواء بالجوال أو بالآلات الفوتوغرافية، وانتهاء بمنع لمس سطح النوازل أو الصواعد حفاظا على لون وشكل ودرجة حرارة المغارة التي لا تحيد عن 18درجة طوال السنة، وهو نفس الرقم الذي تحمله ولاية جيجل ( 18) في ترتيب الولايات الجزائرية ويقول عنه بوعوينة أنه أحد عجائب المغارة ذاتها .
وتبدأ "وشوشة" الزوار في التصاعد عندما يحيلهم المرشد السياحي على أشكال ثلاثة قردة متعانقة، تجاورها أشكال أخرى لأرجل جمل، وفيل بخرطومه، وشكل يشبه إلى درحة كبيرة برج بيزا بإيطاليا وآخر يقارب شكل مسلات بغداد، وكلما توغل المرشد السياحي داخل أروقة المغارة تراءت للزوار أشكال أخرى مدهشة فهذا كأس العالم، وذاك رجل ساجد يتعبد، وهذا شكل لجنين داخل رحم أمه، وتلك نوازل تشبه آلات عزف إفريقية تصدر أصواتا شجية يداعبها المرشد السياحي بضربات خفيفة فوق سطحها .
ويكشف خليفة بوعوينة ل "الرياض" آخر ما تم اكتشافه في المغارة من أشكال وصور، أهمها كتلة صخرية صغيرة تشبة الزهرة المفتوحة محفورعليها اسم الجلالة "الله" ومن تحته "محمد" عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو اكتشاف حققه بوعوينة نفسه "الذي وجّه دعوة للتلفزيون الجزائري الذي تنقل إلى المغارة وبث الروبرتاج في أحد الحصص التي تعنى بصيف الجزائريين .
وتعتبر الكهوف العجيبة، أهم وأكبر المغارات في الجزائر قاطبة، بعد كل من مغارة أوقاس الواقعة بولاية بجاية المجاورة و" غار الباز"
fولاية جيجل، فهي وجهة السياح من داخل الجزائر وخارجها منذ اكتشافها صدفة العام 1917أثناء القيام بأشغال شق الطريق بين جيجل وبجاية المتجاورتين، وتوجد بهاتين الولايتين المعروفتين بسواحلها
الخلابة وخلجانها الصغيرة وتشكيلاتها الغابية القانتة 10مغارات تمتد ما بين منطقتي أفتيس وتازة على بعد 30كلم غرب مدينة جيجل و 60كلم شرق بجاية، ولقد تحولت هذه المغارات في الفترة الأخيرة إلى مقصد لهواة الاستكشافات والطبيعة وطلبة العلم والباحثين.
هذا المقال ماخوذ من جريدة الرياض