تفسير سورة الإخلاص
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ
--------------------------------------------------------------------------------
هذه السورة يسميها بعض العلماء: نسبَ الله -جل وعلا-، وقد جاء في حديث، حسنه بعض العلماء بمجموع طرقه، أن المشركين قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: انسب لنا ربك وفي رواية: صف لنا ربك فأنزل الله -جل وعلا- هذه السورة.
وهذه السورة تشتمل على توحيد الله -جل وعلا- في أسمائه وصفاته، ولهذا كان بعض العلماء يشرح قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذه السورة بأنها تعدل ثلث القرآن، يقول: إن القرآن أحكام، ووعد ووعيد، وتوحيد في الأسماء والصفات، وهذه السورة توحيد في الأسماء والصفات، إذن فهي ثلث القرآن.
فأمر الله -جل وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يعني:أن الله -جل وعلا- أحد، لا يشاركه شيء من خلقه لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في أسمائه، ولا في أحكامه وتدبيره.
فهو -جل وعلا- واحد لا مثيل له ولا نظير له -جل وعلا- فهو المتفرد بالألوهية فلا يستحق العبادة سواه، وهو المتفرد بالربوبية فلا يخلق ولا يبدل إلا هو -جل وعلا-، وهو -جل وعلا- الواحد في أسمائه وصفاته فلا أحد من خلقه يُشبهه.
كما أنه -جل وعلا- لا يُشبه أحدا من خلقه، بل هو -جل وعلا- المتفرد بصفات الكمال، ونعوت الجلال والأسماء البالغة غاية الحسن والجمال.
ثم قال -جل وعلا-: اللَّهُ الصَّمَدُ يعني: أنه -جل وعلا- السيد الذي قد كمُل سؤدده، وأنه الصمد الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتهم؛ لأن شريف القوم وسيدهم يلجأ إليه أهل قبيلته وأهل عشيرته في حوائجهم، والله -جل وعلا- هو الذي له السؤدد الكامل على خلقه.
فلذلك الخلق أجمعون يصمدون إليه -جل وعلا- لحوائجهم، وكذلك -جل وعلا- لما كان الخلق يصمدون إليه ويلجئون إليه، وهو المتفرد بكمال السؤدد، كان -جل وعلا- هو الباقي؛ فخلقه يهلكون، وهو -جل وعلا- يبقى.
وهذا ما يدور عليه معنى الصمد في تفاسير العلماء، وكلها حق، ثابتة لله -جل وعلا-، ويزيد بعضهم بأن الصمد هو الذي لا جوف له، بمعنى أنه لا يحتاج إلى طعام ولا إلى شراب، وهذا -أيضا- حق؛ كما قال الله -جل وعلا-: مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ .
فالله -جل وعلا- لكونه متفردا بصفات الكمال كان له السؤدد المطلق، وكانت الخلائق تلجأ إليه، وكان -جل وعلا- لا يحتاج إلى خلقه، بل الخلق هم المحتاجون إليه، والطعام والشراب من خلق الله، فلذلك لا يحتاج ربنا -جل وعلا- إلى طعام ولا إلى شراب.
ثم قال -جل وعلا-: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ أي: أن الله -جل وعلا- لم يلد أحدا؛ لأنه -جل وعلا- ليست له صاحبة، كما قال -جل وعلا-: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
وفي هذه الآية رد على المشركين، وعلى اليهود والنصارى الذين زعموا أن لله ولدا؛ كما قال الله -جل وعلا- إخبارا عن اليهود والنصارى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ .
وقال -جل وعلا- في شأن المشركين: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فهذه الآية رد عليهم؛ لأن الولد يخرج من شيئين متماثلين أو متقاربين، والله -جل وعلا- لا يماثله شيء، ولا يقاربه شيء، فلهذا لم تكن له صاحبة ولم يكن له ولد.
ثم أخبر -جل وعلا- أنه: وَلَمْ يُولَدْ بل هو -جل وعلا- الخالق للخلائق، والمولود مخلوق، والله -جل وعلا- هو الخالق فلهذا لم يولد -جل وعلا-.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أي: أن الله -جل وعلا- ليس له نظير، ولا مماثل، ولا شبيه لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في خلقه، ولا في تدبيره، ولا في حكمته، ولا في مشيئته، ولا في علمه، ولا في ألوهيته ولا ربوبيته، ولا في أي شيء من صفاته وأسمائه، بل له -جل وعلا- الكمال المطلق كما قال الله -جل وعلا-: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
وقال -جل وعلا-: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وهذه السورة تضمنت إثبات الكمال لله -جل وعلا- ونفي النقائص عنه -جل وعلا-.
ان شاء الله تكونو استفدتو منها...